السبت، 23 يوليو 2011

علم اجتماع التنظيم ومشكلات العمل،

يعد التطور التنظيمي للمؤسسات العامة ومراكز العمل المختلفة من السمات الرئيسية المميزة للمجتمع المعاصر، وهو معيار أساسي من معايير تنميته في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لما يؤديه التنظيم من دور تتعاظم أهميته مع الاتساع الكبير في الوظائف المنوطة بهذه المؤسسات التي أصبحت معنية بالأداء الإنساني وتلبية الحاجات المختلفة للمجتمع على نطاق واسع. فلقد بات الأداء الإنساني في مجالات السياسة والقضاء والتعليم والصحة والزراعة والصناعة والتجارة، ومختلف ألوان النشاط الإنساني رهن بتطور الطابع التنظيمي فيها، ورهن بتطور البعد المؤسسي في جوانبها المختلفة.

ويستمد التطور التنظيمي للمؤسسات أبعاده وخصائصه من السمات الكلية والعامة التي تصف المجتمع الأوسع، فالتنظيم المؤسسي جزء لا يتجزأ من التنظيم الاجتماعي العام ويحمل خصائصه، مما يجعل التطوير التنظيمي للمؤسسات بمعزل عن التنظيم الاجتماعي العام عاملاً من عوامل الاضطراب. ويؤدي إلى انتشار مظاهر الخلل وضعف الأداء في المؤسسات حتى مع اتصافها بخصائص التنظيم النموذجي الذي تنتشر ملامحه في المجتمعات الأخرى.

ويسهم التحليل الاجتماعي للنظم في دراسة المعايير التي تشاد عليها المؤسسات الفاعلة في المجتمع، وفي توضيح مقدار توافق أهدافها وغاياتها مع المعايير الاجتماعية والقيم الأخلاقية السائدة في التنظيم الاجتماعي العام، ذلك أن الأداء الإنساني في التنظيمات الاجتماعية إنما يرتبط بمقدار التوافق بين الأسس المعيارية التي تشاد عليه هذه التنظيمات مع المعايير الأخلاقية والاجتماعية السائدة في المجتمع بصورة عامة.

وتحفل دراسات علم اجتماع التنظيم بتراث نظري غني وواسع، يقدم الباحثون الاجتماعيون فيه تصورات نظرية متعددة لأسس تحليل النظم الاجتماعية وكيفية معالجة المشكلات التي تعاني منها المؤسسات بصورة عامة، ومشكلات العمل بصورة خاصة.

ويأخذ الباحثون الاجتماعيون في تحليلاتهم لقضايا التنظيم والأداء التنظيمي مذاهب عدّة، منها ما يرتبط بالاتجاهات النظرية التقليدية في علم الاجتماع، ومنها ما يتعلق بالتطور اللاحق للدراسات الاجتماعية التي أخذت بالنمو المطرد منذ بدايات القرن العشرين، والتي استفادت كثيراً من تطور التنظيمات الاجتماعية نفسها، وخاصة التنظيمات السياسية المتمثلة بالأحزاب والقوى السياسية التي أخذت تنمو منذ ذلك الحين من خلال نمو النظم بالدرجة الأولى. كما استفاد علماء اجتماع التنظيم من النمو الملاحظ في تطور المؤسسات العسكرية، وبنية السلطة، والمؤسسات الأمنية التي وجدت نفسها معنية بالمحافظة على أمن المجتمع بمستوياته المتعددة، ووجدت نفسها مدفوعة إلى تطوير دراسات تحليل النظم لهذه الغاية.

ويضاف إلى ذلك أن علماء اجتماع التنظيم وجدوا في تطور تنظيمات العمل، وخاصة في مجالات الإنتاج الصناعي والتجاري وفي المؤسسات الإدارية مجالاً خصباً لدراساتهم، وجعلوا منها مختبرات لتحليل فرضياتهم وإغناء نظرياتهم، كما وجد المعنيون بهذه التنظيمات في تحليل النظم ما يساعدهم على تجاوز مشكلاتهم، ومشكلات الإداريين والعاملين في مؤسساتهم، مع ما يترتب على ذلك من أرباح مادية تعود عليهم من جراء تطوير هذه المؤسسات.

وتنمو أهمية دراسات علم اجتماع التنظيم في الوقت الراهن مع النمو الواسع في الطابع التنظيمي للفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتي أصبحت تجاوز الحدود السياسية للدول والمجتمعات، وبخاصة مع انتشار الشركات الكبرى، وانتشار وسائل الاتصال التي جعلت من عمليات التواصل بين أجزاء العالم المتباعدة الأطراف متاحة بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ، الأمر الذي يجعل التنظيمات الاجتماعية المحلية عرضة للتأثيرات الثقافية الممتدة في أنحاء العالم المختلفة، ويجعل معاييرها مناقضة في كثير من الأحيان للمنظومات الثقافية والحضارية المحلية. وغالباً ما يؤثر ذلك في بنية هذه التنظيمات، ويجعل أداءها مضطرباً وغير مستقر، وقد تمتد آثار ذلك على بنية المجتمع بمجمله.

وفي ذلك تكمن أهمية دراسات علم اجتماع التنظيم ومشكلات العمل في المجتمعات الإنسانية كافة، وفي المجتمع العربي بشكل خاص، ففي الوقت الذي امتد فيه الطابع التنظيمي للفعاليات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة، وفي الوقت الذي يزداد فيه الانفتاح نحو الثقافات المتنوعة في العالم، تصبح التنظيمات الاجتماعية الفاعلة في المجتمع العربي خاضعة لتأثير بنى ثقافية وحضارية متباينة في اتجاهاتها ومعاييرها وقيمها، مما يجعل المعاني والدلالات الاجتماعية لأنماط السلوك الاجتماعي بصورة عامة، ولأنماط السلوك التنظيمي متباينة أيضاً ومضطربة تسهم في اضطراب التنظيم نفسه، وتحول دون قدرته على تحقيق أهدافه وغاياته التي أسس عليها.

إن عمليات التطوير والتحديث في المجتمع العربي بصورة عامة تتطلب العمل على تحليل الأداء التنظيمي للمؤسسات على اختلاف أشكالها، في مجالات الإدارة العامة، ومجالات العمل والإنتاج، ومجال الخدمات الاجتماعية، ومختلف المجالات المبنية على أشكال التنظيم الاجتماعي. فالتطوير الاقتصادي مرتبط اشد الارتباط بتطوير المؤسسات المعنية به، والتطوير الصناعي معني بتطوير مؤسساته، وتطوير مؤسسات الإدارة العامة معني بتطوير التنظيمات الفاعلة فيها. ويدل ذلك على أن عملية التطوير في القطاعات المختلفة لا تنفصل عن عمليات تطوير التنظيمات الفاعلة في هذه القطاعات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق