السبت، 23 يوليو 2011

إدارة التغيير

  إدارة التغيير هي الإدارة التدبيرية التي تعنى بعملية الانتقال من حالة معينة (الوضع الراهـن والذي يشكل المشكلة) إلى وضع جديد (الوضع المرغوب الانتقال إليه والذي يعتبر بمثابة الحل). وهذه العملية تتطلب إطار عمل يتمثل في إتباع مجموعــة من الخطـوات وهي تشخيــص وتحليــل المشكلة، تحديد الاهداف المنشودة، تنفيذ وتحقيق هذه الأهداف، وضع خطـة مفصلة مبنية على رؤية معينة لعملية الانتقال من الوضع القديم إلى الحالة المرغوبة بشكل منتظم، البحث عن البدائل الممكنـة لإيجاد حلول مناسبة، الحصول على دعم ومساندة لعملية التغيير والالتزام بها، اختيار البديل الأمثل الذي يحقق أفضل النتائج، اتخاذ القرار المناسب، ومتابعة سير العمل واداؤه وكيفية تحقيق النتائج.

ما هي الأسباب التي تدعو إلى التغيير؟ هناك حزمة من الأسباب التي تدعو إلى التغيير وهي عدم الرضا عن الوضع الراهن، الشعور بأن التغيير وارد كحقيقة لابد منهـــا، الوصول إلى وضـع أفضل (كشغل وظيفة أخرى براتب أعلى مثلا)، وتحقيق طموحات ذاتية أو تحقيق ألذات .self-actualization أما أسباب فشل عملية التغيير فهي عديدة أهمها مقاومة عاملي وموظفي المؤسسات والشركات للتغيير. ومن الأسباب الكامنة وراء مقاومة الأفراد للتغيير الاعتقاد بأنه لا توجد هناك حاجة حقيقية للتغيير، أن التغيير له مخاطر تفوق الفوائد، وأن عملية التغيير محكوم عليها بالفشل. وقد توصلت معظم الأبحاث التي أجريت على موضوع التغيير إلى انه لا يمكن للمؤسسات الإبقاء على أداء متميز للعاملين فيها على المدى البعيد ما لم تكن لديها فلسفة مؤسسية راسخة تشجع على ثقافة التأقلم أو التكيف مع بيئة عمل متغيرة. وقد توصلت دراسة أخرى إلى إن 60% من مشاريع إعادة هيكلة أو إعادة هندسة عمليات الأعمال business process re-engineering قد فشلت بسبب مقاومة الموظفين لعملية التغيير. وقد أكد هذه الدراسة مسح اجري على العديد من مدراء الشركات التنفيذييــن senior executives إذ توصــل هذا المسح إلى إن السبب الرئيسي في فشل معظم عمليات التغيير هو أيضا مقاومة العاملين والموظفين لمبدأ التغيير من اساسه.

من الحلول الفاعلة في إدارة التغيير خلق أجواء مناسبة للتواصل المفتوح مع الموظفين، الاستماع إلى أرائهم ومقترحاتهم، الحصول على دعمهم على جميع المستويات، توضيح أهمية التغيير لهم وللشركة، العمل على التغلب على مقاومتهم للتغيير، وإشراكهم في كافة مراحل عملية التغيير وذلك بجعلهم شركاء فاعلين في هذه العملية. إن تفعيل عملية التغيير وجعلها عملية ناجحة بكل المقاييس والمعايير يتطلب وضع استراتيجية مدروسة ومحكمة جيدا بحيث تؤخذ في الاعتبار جميع ردود الفعل المحتملة (كرفض عملية التغيير من أساسها لا سيما أثناء مرحلة الانتقال). ويجب على وكلاء التغييرchange agents مساعدة الموظفين على الانتقال من الحالة القديمة إلى الوضع الجيد بكل ارتياح وثقة وتوضيح الأهداف المرجوة من عملية التغيير بدقة وشفافية وطمأنتهم بان التغيير لن يكون ضد مصالحهم الشخصية وذلك من خلال بناء علاقات جيدة معهم، الامر الذي يتطلب حرفية مهنية عالية المستوى في إدارة العلاقات relationships management. ولابد أيضا لوكلاء التغيير أن يهتموا اهتماما جليا بتكوين فريق عمل متخصص ad hoc teamلعبور مرحلة الانتقال transition phase وإنجاح عملية التغيير. فنجاح عمل الفريق إثناء المرحلة الانتقالية يتطلب التركيز على الضرورات الست التالية وهي المعرفة والرؤية الثابتة والإيمان والمبادرة والتدريب والتطويرknowledge, vision, faith, initiative, .training, and development
من المهارات التي يجب أن يتحلى بها وكلاء التغيير المهارات السياسية political skills وهي تتمثل في الحكم على الأشياء حسبما يفرضه الواقع الراهن والمهارات التحليليةanalytical skills كالتحليل العقلاني والموضوعي للأمور rationalization، فالتخمين مثلا لا ينفع في التعامل مع أية معطيات، في غياب دراستها وتحليلها بحسب مباديء المنطق العلمي scientific logic (مثلا كدراسة عوامل معينة من خلال اخضاعها للمقارنـة او التحليل النسبي comparative analysis).

هناك أربع فرضيات أساسية يمكن استخدامها في إدارة التغيير. الاستراتيجية الأولى تفترض أن الأفراد يهتمون فقط بمصالحهم الشخصية وان هذا الاهتمام نابع من كونهم أناس عقلانيين. والفرضية الثانية تجاهر بان الأفراد هم كائنات اجتماعية، وبناء عليه فهم يلتزمون بالأعراف الثقافية والقيم الاجتماعية .cultural norms and social values والفرضية الثالثة تقول بأن الأفراد هم ببساطة أناس متجاوبون أو متعاونون مع غيرهم وبالتالي سوف يقومون بما يطلب منهم. أما الاستراتيجية الرابعة فهي تفترض بان الأفراد يرفضون الخسارة ولكنهم مع ذلك قادرون على التكيف مع أية ظروف جديدة. ومن العوامل التي يجب أخذها في الاعتبار عند اختيار الاستراتيجية المناسبة مراعاة مصالح الأفراد الذين تشملهم عملية التغيير، درجة اعتماد المؤسسة او الشركة عليهم، ودرجة مقاومتهم لعملية التغيير. ولكي تتكلل عملية التغيير بالنجاح هناك خمسة حواجز يجب اجتيازها وهي الوعي أو الإدراك بان التغيير مطلب ضروري، وأن تكون هناك رغبة قوية من الأفراد بدعم عملية التغيير والمشاركة الفاعلة فيها، والعمل على تنمية مهارات وسلوكيات جديدة تتناسـب مـع الوضع الجديد، وأن يكون هناك استعداد وافي لجعل عملية التغيير مستمرة ومتواصلة، وعدم العودة أو حتى التفكير بالعودة إلى العهد القديم.

وأود أن اخلص في نهاية هذا المقال الى أن عملية التغيير هي عملية تتطلب ما اسميه "ذكاء المسافـر "traveler intelligence بمعنى إن تتخيل طبيعة الرحلة التي سوف تقوم بها وطبيعة المكـان او الغايــة final destination التي تود الوصول إليها، الامر الذي يتطلب رؤية وخيال وابداع. فمــن خلال أبحاثي ودراساتي وإطلاعي على موضوع إدارة التغيير والدورات التي اعقدها في هذا المجال وجدت أن عملية التغيير ليست معقدة أو صعبة المنال كما يعتقد الكثير من الناس. فعمليــة التغيير تشبــه في رأيي الشخصي إدخال المتغيرات المناسبة variables في أطراف المعادلة equation حتى تتحقق المعادلة بالشكل الصحيح، فإذا عرفنا المعادلة أصبح الحل في متناول اليد. والمعادلة التي اقترحها في إدارة التغيير للوصول إلى الحالة المرغوب فيها هي معادلة DISOوهي كالتالي:

Desired state = Implementation + Strategy + Objectives

فالوصول إلى الحالة المرغوب فيها يتطلب (1) تحديد الأهداف المراد تحقيقها بشكل واضح (2) وضع الاستراتيجيات المناسبة لتحقيق هذه الاهداف (3) تنفيذ هذه الاستراتيجيات تنفيذا جيدا وسليما. وتذكـــر انـــك مهمــــا عملت ومهما حاولت ومهما بذلت من جهد، يجــــب إن تضع ثقتـــك دائمــا وأبـــدا في الله عز وجل، فإذا عزمــت فتوكل على الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الارض ولا في السماء وهو السميع العليم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق