السبت، 16 يوليو 2011

التطوير التنظيمي والاستثمار في الكفاءات ودورهما في إحداث التغيير الإيجابي للمؤسسات - تنمية الكفاءات كأساس للتغيير في المؤسسة


تنمية الكفاءات كأساس للتغيير في المؤسسة:   يتجسد تفعيل دور المورد البشري عموما في العملية التغييرية من خلال إشراكه في التصور وصيانة العلاقة معه واقحامه في العملية بفعالية، ويمكن تمثيل هذه الأبعاد الثلاثة (vision, processes, relation) في الشكل التالي:          الرؤية   -  العمليات  -  العلاقات  منذ نحو عشر سنوات تغير منطق وظيفة الموارد البشرية من إدارة الأفراد إلى إدارة الكفاءات، وكان ذلك في الواقع نتيجة لتغير في هيكل ودور المورد البشري في المؤسسات، ففي فرنسا مثلا خلصت إحدى الدراسات التي صدرت سنة 2002 إلى أن حوالي 70% من المؤسسات الفرنسية تعتمد أنظمة قائمة على الكفاءات، أو على الأقل تنوي ذلك على المدى المنظور، وتنفق في سبيل هذا الغرض أموالا ضخمةوتعرف المجموعة المهنية الفرنسية (Medef) الكفاءة (La compétence) بالقول: "الكفاءة المهنية هي تركيبة من المعارف والمهارات والخبرة والسلوكيات التي تمارس في إطار محدد، وتتم ملاحظتها من خلال العمل الميداني، والذي يعطي لها صفة القبول، ومن ثم فإنه يرجع للمؤسسة تحديدها وتقويمها وقبولها وتطويرها" وتعٌَرَف الكفاءة كذلك بأنها: "مجموع المعارف والمهارات التي يمتلكها الفرد التي تمـكنه من أداء عمله بشكل أحسن"، ولا يخفى أن الكفاءات اليوم أضحت تمثل الميزة التنافسية الأكثر حسما مابين المؤسسات، فالكفاءة هي التي تصنع التفوق، وفي المثل الأجنبي يقال: "C’est la compétence qui fait la différence"، وهو ما جعل الكفاءة ودرجة التأهيل هي المرجع (Un référentiel) في توصيف الوظائف وتصميم هياكل المؤسسات.أما تسيير الكفاءات فيعني:" التأثير في معارف ومهارات وسلوكيات المورد البشري ليكون أكثر قدرة على تحسين عوائده والتكيف مع التطورات الحاصلة في المحيط".    فالكفاءات إذن تمثل قوائم أو بيانات للسلوكيات والتي يكون بعض الأشخاص أكثر تحكما فيها من الآخرين، مما يجعلهم أكثر كفاءة في حياتهم اليومية للعمل، أما فيما يتعلق بأنواع الكفاءات فهناك الكثير من التصنيفات لها، ونهتم بالتصنيف من خلال الكفاءات الفردية والكفاءات الجماعية التي تساهم في تطوير الكفاءة داخل المؤسسة.    1- أنواع الكفاءات:  أ- الكفاءات الفردية: مهما كان مستوى الأفراد في الهيكل التنظيمي للمؤسسة، فإن المناصب التي يشغلونها تتطلب كفاءة معينة لأداء مهامهم بصورة تحقق معها أهداف المؤسسة، وفيما يلي أهم الكفاءات التي ينبغي توفرها في الأفراد:- أن يكون شخصا يعرف كيف يتأقلم مع الظروف المتغيرة والغامضة ويعمل بطريقة مرنة.- التعلم للتحكم السريع في التقنيات العملية.- لديه روح اتخاذ القرار وإدارة وقيادة المرؤوسين بطريقة فعالة.- إيجاد جو ملائم للتطوير من خلال مضاعفة التحديات التي تعمل على إيجاد المناخ الملائم لتطوير عمل المرؤوسين.  ب- الكفاءات الجماعية: تعتبر الكفاءات الجماعية أهم انشغال للمؤسسات المعاصرة، وتنشأ هذه الكفاءات من تآزر الكفاءات الفردية، ويمكن تحديد وجود هذه الكفاءات من خلال مؤشرات الاتصال الفعُال الذي يسمح بوجود لغة مشتركة بين جماعة العمل، وتوفير المعلومات الملائمة للجميع، وكذا التعاون بين أعضاء الجماعة مما يسمح بانتقال الكفاءات ومعالجة الصراعات.    وتطوير الكفاءات البشرية باعتباره جهدا استثماريا، يركز على زيادة المعارف والقدرات لدى جميع الأفراد العاملين وهذا لتدعيم العناصر الأساسية المميزة للكفاءات البشرية، حيث أدخلت مفاهيم جديدة مثل الجودة البشرية والتكنولوجيا البشرية التي تتحكم فيها عناصر التخصص الدقيق ذو الجودة العالية والمشاركة الفعٌالة للفرد في إدارة التنمية بحيث يكون الإنسان محور جميع العناصر السابقة"(وتنبثق إستراتيجية تنمية الكفاءات من إستراتيجية عامة لتنمية الموارد البشرية في المؤسسة، التي تستند بدورها إلى تسيير المعارف  (KM)الذي اكتسح عالم الأعمال، والذي يعد بدوره تطورا نوعيا لمذهب العقلانية في التسيير الإستراتيجي.ويعد تسيير المعارف نمط جديد في استغلال وتثمين المورد البشري، الذي أضحى الآن رهان إستراتيجي بالنسبة للمؤسسات (أو المنظمات بشكل عام)، ويتضمن تسيير المعارف عدة أبعاد، الإنتاج، التنظيم، تكنولوجيا المعلومات والاتصال، رأس المال البشري كمنتج مزدوج المرجع يجمع بين المعارف (الجامعة) والكفاءة (المؤسسة).إن التركيز على الكفاءات (التكوين) لا ينبغي أن يغفلنا عن الشق الثاني للمورد البشري والمتمثل في العمال المنفذين (التأهيل)، فالمورد البشري (H2) مكون من جزأين: الكفاءات (H’) والعمال ("H) أي أن (" H +H’=H2)، وإذ يمارس هذا المورد عملياته (o) سيتكون مركب ثالث هو (H2O)، ويعبر هذا المركب عن مدى التلاحم بين المورد البشري والعمليات التي يؤديها، فجودة العمليات تخضع أساسا لمستوى التكوين والتأهيل المتاح لدى هذا المورد، وبإضافة عنصر رأس المال (K) إلى هذا المركب تستطيع المؤسسة خلق قيمة مضافة (V)  . ويمكن التعبير عن ذلك كما يلي:  تجزئة موارد التـغيير خامسا- التطوير التنظيمي كإستثمار في الكفاءات: تطوير الكفاءات ليس تقنية جديدة من أجل الحصول على مؤهلات مفيدة فقط، إنما هو موقف أو سلوك يجب تبنيه من طرف المؤسسة لزيادة كفاءتها التنظيمية والتي ترتبط بمدى الاستجابة للتغييرات التي تحدث على مستوى محيطها، إذ يتم وضع نظام للأجور على أساس الكفاءة لكونها المعيار الوحيد الذي نعتمده عند الزيادة في الأجور، وتفتح المجال أيضا لترقية الفرد، والتطوير التنظيمي يلعب دورًا هاماً في عملية تطوير الكفاءات، ويمكن النظر لذلك من خلال الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها:   - أهداف بيداغوجية: وتتمثل في المعارف التي يكسبها المتدربون وتعتبر موردا مهما لبناء كفاءة الأفراد.   - أهداف الكفاءات: ونشير إلى الكفاءات التي يشكلها المتدربون من المزج وتجديد الموارد (المعارف، الدراية...)، والتي اكتسبوها من التدريب وتصاغ هذه الأهداف بالفطرة على التطبيق العملي للنشاط.   - أهداف التأثير: وتتمثل في تأثيرات التطوير التنظيمي على أداء المؤسسة، ويمكن أن تظهر من خلال مؤشرات مثل الجودة، والمخرجات، ونجاح التغيير...الخ.  ومع أهمية العناية باستراتيجية الموارد البشرية داخل المؤسسة، وبعنصر الكفاءات بوجه خاص، فإن نجاح هذه الاستراتيجية يخضع إلى حد كبير إلى مستوى منظومة التعليم والتكوين في المجتمع بوجه عام، ومنظومة البحث والتطوير بوجه خاص، فالمؤسسة ليست نظاما معزولا أو مغلقا، فعدم توفر الدولة على نظام وطني للتجديد (un system national d’innovation)، يجعل من الحديث عن الكفاءات وعن البحث والتطوير وعن التطوير مجرد أضغاث أحلام، وحتى مع توفر ذلك فإن المسؤولية تقع على عاتق المؤسسة نفسها في مباشرة أنشطة تدريبية وتكوينية داخلية بهدف صقل المهارات المتاحة وتحديثها باستمرار، ويتم تكريس هذا التحديث من خلال إيجاد خلية متخصصة لما أصبح يعرف بالذكاء الاقتصادي(un service d’intelligence économique) ، وبذلك تصبح المؤسسة مستحدثة باستمرار، وتسير إلى جانب منافسيها وليس ورائهم.وعليه نؤكد مرة أخرى أن التغيير في المؤسسة عملية مرتبطة بصورة مباشرة بالمحيط، وهذا ليسمن جانب الاستجابة للتغييرات، ولكن أيضا في مجال إعداد وتنفيذ إستراتيجيات هذا التغيير، وفي هذا الصدد نشير إلى أنظمة كلية ثلاثة ذات علاقة مباشرة بالتغيير في المؤسسة وهي:-        النظام الوطني للمعلومات.-        النظام الوطني للتجديد.-        النظام الوطني للتعليم والتكوين.وهذا ما يمثل ثلاثية متكاملة تشكل أحجار زوايا مثلث النظام الوطني للتحسين:  النظام الوطني للمعلومات  - التغيير - النظام الوطني للتعليم والتكوين - النظام الوطني للتجديد   وفي هذا الصدد فإن دولا كثيرة اعتمدت سياسات وطنية في مجال دعم اندماجها في اقتصاد المعرفة والكفاءات، وتخصص في سبيل ذلك موازنات ضخمة لدعم الأنظمة الثلاثة المشار إليها أعلاه، فعلى سبيل المثال تسعى إستراتيجية التجديد الكندية إلى تحقيق هدفين هما:1- بلوغ مستوى الامتياز من خلال الاستثمار في الأفراد والمعارف والإمكانيات.2- جعل المعارف مفتاح المستقبل من خلال تأهيل الكفاءات، وذلك اعتبارا من أن الأفراد يمثلون المورد الأهم في المجتمع.خامسا- زوايا الاستفادة من برامج التطوير التنظيمي عند إحداث التغيير بالمؤسسة:   يمكن أن يستفيد الباحثون في إنجاح التغيير بالمؤسسة من التطوير التنظيمي من الزوايا التالية:  1- زاوية إدارة المؤسسة :  يستفيد مدبرو المؤسسات من بحوث وممارسات التطوير التنظيمي فيما يتعلق بثقافة المؤسسة وكيفية إدارتها وتغييرها ذلك أن ثقافة المؤسسة هي عبارة عن المبادئ والمفاهيم والأدوات والقيم والافتراضات التي تحدد هوية المؤسسة، وتدعم الأداء في المؤسسة بتهيئة المناخ الدعم له، ويمكن أن تعيق الأداء بوضع العقبات أمام المخاطرة والتغيير والنمو وطبيعة تدخل التطوير التنظيمي تتمثل في تغيير الإدراك الذي يرتبط بالتعلم و الفهم، وهو ما يحقق اندماج الثقافة في السلوكيات 2- زاوية تكوين مؤسسات متجددة ومتكيفة:  إن من مجالات اهتمام التطوير التنظيمي إعادة تنظيم المؤسسات؛ فالهياكل التنظيمية المرنة يمكن أن تدعم أداء العاملين، ومن ثم فإن أدائهم يمكن أن يساعد في إيجاد مؤسسات متجددة متكيفة، والمؤسسات التي تتمتع بالمرونة والتكييف هي أقدر من غيرها على الاستجابة للتغيرات المحيطة، والمؤسسات غير المرنة المتحجرة تضع العقبات أمام جهود تحسين الأداء، لاسيما إذا إنصبت هذه الجهود على تغيير أنماط العمل أو إدخال أدوات وتكنولوجيات جديدة أو إعادة تنظيم العمل، ومنه يمكن القول أنه من المهم أن تطور كل مؤسسة قدرتها على التكيف مع البيئة بدافع التفاعل معها، وهذا يجعل من التطوير التنظيمي يتطلب إدارة خاصة في المؤسسة لتطوير وتنمية عمُالهما، وبالتالي تطوير وتنمية كفاءتها الكلية، وهذا ما يسمى بالمؤسسة المتفاعلة.3- زاوية الموارد البشرية: ونعني بها جميع الأفراد العاملين في المؤسسة، ويمثل ذلك المديرين في جميع مستويات القيادة والإداريين، الفنيين، المستخدمين، والموظفين الدائمين وغير الدائمين، ويكون مجال الاهتمام هنا مجموعة طاقات أولئك الأفراد و استعداداتهم و قدراتهم ومعارفهم ومهاراتهم واتجاهاتهم، وقيمهم، ويسعى التطوير التنظيمي إلى تطوير أنظمة انتماء العاملين مما يساعد على إبقاء عاملين متميزين في أدائهم من خلال:ا- تحسين المحيط الاجتماعي للعمل: من خلال توضيح أساليب التعايش في المؤسسة، ويمكن القول أن التطوير التنظيمي هو وسيلة لتنمية الارتباط والانسجام بين الأفراد والمؤسسة، وهذا الأمر يصعب تحقيقه في بعض الأحيان في المؤسسات ذات الثقافة التقليدية الجامدة والسلطوية وذات النظام البيروقراطي.ب- تنمية روح الإحساس بالمسؤولية: يظهر من خلال هذا العنصر أن التطوير التنظيمي هو نوع من التحسيس بعلاقة جديدة بين المسئولين ومساعديهم، وكذا ركيزة أساسية لتفعيل سير الأفراد من جهة، ومن جهة ثانية مسؤولية جديدة تعطى للمساعدين في شكل مفاوضات مع المشرف حول الأهداف وإمكانية تحقيقها ماديا وبشريا، والزمن اللازم لذلك، ويسمح هذا التوجه "يقلب العادات والسلوكيات التقليدية وإرساء واقع حقيقي لنوع جديد من العلاقات في المؤسسة، تنمو فيه روح المسؤولية، وتتوزع بين مستويات السلم الإداري" ج- تسيير الكفاءات: يسمح التطوير التنظيمي بإنجاز مخطط للمؤهلات وتقدير إمكانية تنمية الأفراد في مجالات زمنية وهذا التوجه مهم جدا للمؤسسة التي تسعى إلى تطوير يوافق المتطلبات الإدارية وطموحات الأفراد، كما يسمح بإجراء تعديلات لتلائم البُنيات التنظيمية والأفراد والجماعات والعمليات التنظيمية، وكثيرا ما يوافق هذه العمليات دور تدعيمي لسلوك الأداء الذي يمارسه الفرد في عمله.  كما تهدف عمليات التطوير التنظيمي إلي تحسين قدرات العاملين وإطلاق معارفه وطاقاتهم، ومنحهم سلطة كافية لمعالجة المشاكل، وهذا يتطلب تخفيض عدد المديرين وإفساح المجال للعاملين لتطوير وضمان استمرارية سلامة الأداء.إضافة إلى أن الهدف الأسمى للتطوير التنظيمي هو تحسين آليات حل المشكلات التنظيمية المعقدة، ومعالجة الأمراض الفنية التي تعاني منها المؤسسات، بهدف جلب بيئة مناسبة للابتكار والإبداع للعاملين، وإشاعة الثقافة التنظيمية المحفزة بتوظيف المعرفة السلوكية والعلمية المتاحة، وتطبيق تقنيات التدخل والتجريب بهدف تحسين الأداء وزيادة فاعلية المؤسسات لتمكينها من تحقيق أهدافها وأهداف العاملين فيها، وتحسين نوعية الحياة الوظيفية والمجتمعية والبيئية التي تسهم في بقاء وإنماء المؤسسات، وتنشيط دورها في رفع أداء الأفراد والجماعات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق