السبت، 16 يوليو 2011

القيادة الإدارية و تطوير الثقافة التنظيمية

 1- القيادة الإدارية و الثقافة التنظيمية:
      إن هذه المقاربة تشير إلى حتمية داخل النسق الاجتماعي، هي حتمية التغير الثقافي والتطوير التنظيمي للنسق الفرعي للثقافة التنظيمية، فمن الضروري إدخال تغير في الاتجاهات، وطريقة التفكير، والقيم التنظيمية للأفراد، وسلوكياتهم حتى تتواءم وتتكيف مع الأساليب الجديدة للمنظمة في عملية التغيير، فضمن أدبيات القيادة الإدارية هناك اعتراف واضح، بالارتباط الوثيق بين القيادة والثقافة التنظيمية في عملية التغيير، مثل ما نجده عند ( Kilmann1985-Schein 1992-Bass 1998-Kotter 1998).      
      أوضح كوتر(Kotter) أنه يمكن للشخص، ومن خلال القيادة فقط، وبصورة صادقة  إيجاد، ورعاية بيئة تتكيف مع التغيير، وناقش شاين (Schein) وبشكل مطول الوسائل التي يمكن من خلالها القادة التأثير على الثقافة، تشمل هذه الأساليب سلوك القيادة التحويلية، مثل توجيه الاهتمام بالأحداث الحرجة، الاستجابة للأزمات، دور المثال الذي يقتدى به، وضمن كذلك المعايير المرتبطة بتوزيع المكافآت واختيار وتسريح الموظفين، ويعتقد كيلمان(Kilmann) أن القيادة أساسية أثناء تغيير، وتطوير الثقافة التنظيمية التي تحتاج إلى المتابعة، كما يؤكد هذا الاتجاه باص(Bass) أن بقاء المنظمة يعتمد على توجيه الثقافة التي أوجدتها القيادة الإدارية الفعالة، ويرى(Kotter and Hskett) أن من أكثر الأمور وضوحا في التمييز بين المتغيرات الثقافية الناجحة والفاشلة، هو القيادة الإدارية في المستويات العليا، إذ القيادة تلهم التابعين، وتساعدهم في تكوين ثقافة تتكيف مع المتغيرات، وتملك كما يطلق عليها صفات القيادة  التحويلية، فالقيادة الناجحة لديها القدرة على إيصال رؤيتها تسمح للأفراد بتحدي، ومساءلة رسالتهم، وتحفز الإدارة الوسطى على تولي زمام الأمور القيادية(1).
      كما أن القيادة الفعالة تتميز بإتباع أساليب، وسلوكيات تشجع على تمكين العاملين كتفويض المسؤوليات، وتعزيز قدرات المرؤوسين على التفكير بمفردهم، وتشجيعهم لطرح أفكار جديدة وإبداعية (Dvir et AL 2002).
      ويـرى(Bennis and Nanus 1985) أن القـائد الناجـح يعـمل علـى تمكـين العاملين لمساعدتهم على تحويل رؤيتهم إلى حقيقة، والمحافظة عليها، فالقيادة التي تتمتع بسلوك تحويلي، لديها القدرة على إمداد مرؤوسيها بالطاقة والإلهام، لتمكينهم من التصرف عن طريق إمدادهم برؤية للمستقبل، بدلا من الاعتماد على أسلوب العقاب والمكافآت(2).
      يتضح مما سبق أن عملية التغير الثقافي داخل النسق الاجتماعي من طرف القيادة الإدارية ينتج عنها إدخال تطوير بدرجة ما، للتحول من نقطة التوازن الحالية إلى نقطة التوازن  المستهدفة، حيث تغير النسق الفرعي للثقافة التنظيمية هو السمة المميزة لتطوير المنظمات، في دور يـدفع ويعـزز من طرف القيادة الإدارية لتطوير القدرة الجماعية للعمل، في اطار نسق تفاعلي يتم فيه ضبط العلاقات الاجتماعية، وعمليات حل المشاكل من خلال العمليات الجماعية المستمرة لإدارة الثقافة التنظيمية(3). 
.2 القيادة الإدارية ظاهرة ثقافية:
      تكمن فاعلية القيادة الإدارية في القدرة على التغيير الثقافي، في تعزيز وتطوير الثقافة التنظيمية، التي تؤكد على الوعي المشترك بين الأفراد في العمل، لبناء السلوك الاجتماعي للكيان الاجتماعي للمنظمة، بما ينتج هويته في العمل، ويميزه عن غيره.
      إذا كانت نظريات القيادة الإدارية تناولت ظاهرة القيادة من حيث الخصائص، والمميزات الفردية للقائد، أو من حيث تفاعله مع الموقف أو في علاقتـه مع مرؤوسيه، أو من جانب أنماط السلوك التي تعبر عنه، فإن التناول لظاهرة القيادة الإدارية يركز على الاهتمام بالتفاعل الاجتماعي، الذي يحدث في إطار نسق ثقافي للمنظمة.
      هذا النسق التفاعلي الذي يتم الاحتكام فيه إلى قواعد، وضوابط وروابط العلاقات الاجتماعية للسلوك والفعل الاجتماعي، كأنه يجري تفاوض وتشاور داخل المنظمة، باختيارات واعية لإعطاء المنظمة في طريقة العمل لمواجهة مشاكل التكيف، والاندماج لتحقيق الهدف.
      وعلى هذا الأساس يؤكد شين ( Schein) على اعتبار القيادة الإدارية ظاهرة ثقافية، لا يمكن أن تدرس إلا في إطار ثقافي عملي(4)، أي دراسة القيادة الإدارية في إطار كيان اجتماعي للمنظمة له خصائصه ومميزاته ومنتج للثقافة التنظيمية التي تعبر عن هويته.
      هذا يفرض وجود أنماط قيادية لتطوير النسق الثقافـي للمنظمـة، ليـس باعتباره وظيفة أو منصب ولكنها تفاعل اجتماعي بين القائد ومرؤوسيه، والبيئة الاجتماعية للمنظمة(5)، لأن الثقافة التنظيمية وتطويرها تمثل إحدى المسؤوليات الأساسية للقيادة الإدارية، التي تخلق وتعزز الجهد الجماعي، وإيجاد الفهم المشترك للعمل في المنظمة كقدرة جماعية، وذلك يربط جاليات إنسانية، وأماكن عملهم داخل الكيان الاجتماعي(6).
      هذا ما يفرض وجود قيادة تحويلية، قادرة على إدارة العلاقات، والروابط الاجتماعية في نسق تفاعلي، برؤية ديناميكية للتغيرات التي تحتاجها المنظمة، حتى تتطابق إستراتيجياتها وأهدافها، مع النسق الثقافي، لأن الثقافة التنظيمية التي تحوي أحداث و نجاحات و إخفاقات المنظمة إذ نمثل الذاكرة والتجربة الجماعية للفعل ثم بناءها من خلال مواجهة مشاكل التكيف الخارجي و الاندماج الداخلي.
.3 قيادة التغيير الثقافي:
      تعتبر القيادة الإدارية بمثابة وكـلاء للتغيـير الثقافي، فهـم مهندسين اجتماعيـين في بناء، وتغيير الثقافة التنظيمية، وترشيد السلوك والفعل الاجتماعي الذي هو لب الوجه الدينامي للنسق الثقافي للمنظمة(7).
      فإذا كانت الثقافة التنظيمية مجموعة من المعايير، والقيم والمعتقـدات التي مـع مـر الزمن وضعت كمعايير سلوكية اعتمدت في حل المشكلات، تم اكتشافها كطريقة صحيحة للتصرف من طرف الجماعة التنظيمية، فإن القيادة الإدارية تعمل على تعزيز وتطوير، وإلهام التابعين على إيجاد الحلول المناسبة لمواجهة المشاكل التي تواجههم، في إطار شمولية تاريخية واجتماعية للمنظمة(8)، هذا ما يؤدي إلى تمكين المنظمة من إنتاج ثقافة تعبر عن قدرتها الجماعية ومدى توازنها، واستقرارها كنسق اجتماعي.
      لتصبح كمؤسسة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية للسلوك الاجتماعي الواعي، تعمل القيادة الإدارية في مؤسسة التنشئة الاجتماعية هذه على تطوير النماذج العقلية (الذهنية) للأتباع والمرؤوسين، كيفية العمل كيفية التعاون، أنسب الطرق والوسائل لتحقيق الهدف، فالمنظمة تحتاج إلى رؤية، وإلزامية من طرف قيادتها لتحقيق توازنها، واستقرارها الداخلي والخارجي.
      إن ذلك يتحقق بتطوير ثقافي تفاعلي للنماذج العقلية الفردية، إلى نموذج عقلي، أو ذهني جماعي للعمل يعبر عن كيان المنظمة، أو بالأحرى تطوير السلوكات الفردية وتحويلها إلى سلوكات اجتماعية، تعبر عن سلوك تعاوني تدمج فيه مختلف الاستراتيجيات الفردية إلى إستراتيجية جماعية، تحقق هدف منشود جماعيا(9).
      لذا فإن القيادة الإدارية في إطار نسق تفاعلي ثقافي، تعمل على قيادة التغيير الثقافي من خلال برمجة ذهنية، أو دمج و تطوير للنماذج الذهنية الفردية في ذهنية جماعية للتصرف، بتعلم جماعي وتجارب متكررة من النجاح والفشل(10)، مما ينتج تطوير ذاتي للمنظمة ككيان اجتماعي مستقل بذاته.
      كذلك إن هذا التطوير الثقافي المستهدف من طرف القيادة الإدارية، يعبر عن أسلوب القيادة الإدارية لحل المشكلات في المنظمة، وإصلاح متطلبات المنظمة الثقافية والاجتماعية، وتثبيت القدرة على حل المشكلات، والتجديد المستمر للثقافة التنظيمية وفق متغيرات الجديدة للمنظمة.
.4 خصائص قيادة التغيير الثقافي:
      يحدد اعتبار القيادة الإدارية ظاهرة ثقافية وتفاعلية، و كيف أنها تعمل على دمج مختلف الذهنيات الفردية في إطار عقلنة جماعية للمنظمة، فإن تلك القيادة الإدارية حسب الدراسة التي قام بها بوس نيروكزس تتميز بـ:(11) .
- تحدي العملية:
      إن اعتبار القيادة روادا يجعلهم يبحثون دائما عن فرص جديدة، ولديهم استعداد دائم للتعبير وتطوير الوضع القائم، فهم يبتكرون ويجربون ويكتشفون طرقا لتحسين التنظيم، والأمر الأكثر أهمية هو إدراكهم الجيد بأن كل الأفكار الجيدة لا تأتي بالضرورة من أنفسهم، كما يدركون أن الآخرين القريبين من المشاكل قد يكونون أكثر قدرة للتوصل إلى حلول لها معنى، ويعترفون بأن الإنصات للآخرين، قد يكون أكثر أهمية من التحدث إليهم.
      كما أنهم دائمو الاستعداد لمواجهة التحديات المستقبلية، وهذا ما يضمن التطلع باستمرار إلى طرق أداء جديدة في الأشياء وتجربتها وتحمل مخاطرها، ويعترف القادة كذلك بأن طريقتهم في إدارة المورد البشري، تعتبر بمثابة أساس تدريب واختيار للقادة المحتملين، كما يشجعون على المخاطرة، ويقيمون الأخطاء للاستفادة منها بالتعلم.
      فهم أصحاب قدرة تغيرية قادرة على قراءة المتغيرات بدقة، ويمكن أن يتنبأ بها، وتستعجلها ويطوعها على شكل هدف، أو أهداف واضحة يطورها مع الفئات المستهدفة، عن طريق المشاركة والإقناع(12). 
- الإلهام و الرؤية الجماعية:
      يتطلع القادة إلى وراء الأفق، ويتطلعون أيضا إلى المستقبل بما سيكون عليه المستقبل بنظرة تفاؤلية وإيجابية، كما يعتقد القادة أن عمل الأفراد معا يمكنهم من تحقيق المستحيل، كما أنهم تعبيريين وجذابون في طرح أفكارهم، من خلال اتصالهم الماهر والفعال، فهم لا يخدعون ويوضحون للآخرين كيفية إنجاز المصلحة العامة، من خلال الالتزام بالهدف الكلي.
- تمكين الآخرين من التصرف :
      يعرف القادة بتكافئهم في تحقيق النتائج من خلال الآخرين، فهم لا يستطيعون تحقيق النتائج وحدهم بل يحتاجون إلى الالتزام في مرؤوسيهم، كما أنهم ينضمون العلاقات الاجتماعية بناءا على الثقة  المتبادلة، ويشجعون الأفراد على العمل معا لتحقيق الأهداف المشتركة، ويركز القادرة على المشاركة في اتخاذ القرارات وحل المشاكل، ويشتركون في التخطيط، والسماح لهم بحرية التصرف لاتخاذ القرارات، حتى و إن كان ذلك ارتكاب الأخطاء، ويشجعون الأفراد على تحمل المخاطر، وإن القادة يفوضون السلطة لمرؤوسيهم كي يصبحوا قادة على طريقتهم الخاصة، وليس مجرد تنفيذ ما يقال أو ما يملي عليهم.
- نمذجة الأقوال و الأفعال:
      عادة ما يكون القادة واضحين فيما يتعلق باعتقاداتهم وقيم العمل، كما أن معايير هم مفهومة  للجميع، أنهم يؤدون ما يعتقدون بصحة، ويوصلون ذلك لمرؤوسيهم، كما أنهم يعملون على الحفاظ على المشروعات والأفراد في الطريق السليم، وذلك من خلال السلـوك المتناسـق مـع هذه القيم، وصياغة ما يتوقعونه من المرؤوسين، وهو ما يبرز تناسقا بين الأفعال والأقوال.
- التشجيع:
      يشجع القادة المرؤوسين على تحقيق الأهداف الصعبة، كما أنهم يبذلون جهودا من أجل الاعتراف بالإنجازات نحو تحقيق الهدف الكلي، والقيام بالتغذية العكسية بشكل مستمر، وأن يكون مرؤوسيهم يعرفون أن مجهوداتهم تم تقديرها، كما أنهم يوصلوا نجاح الفريق للآخرين، ويحتفلون بالإنجازات البسيطة، إلى جانب هذه الصفات يمكن إضافة:(13)
- القدرة على التواصل الجيد:
      إن عملية الاتصال عملية جد مهمة لتنفيذ التغيير بشكل مناسب، فرسالة المنظمة تحتاج إلى انتقال أو تفاعل القيادة الإدارية مع الفئات المستهدفة، حتى تعيش القيادة الإدارية التغيير الثقافي مع العمال وتتحرك من خلالهم، وتكسب ثقتهم، وتضمن دعمهم.
- المبادرة:
      لقيادة التغيير مبادرة مستشرفة تقود المجموعة، أو المنظمة وتتقدم خطوة بخطوة، وهذه القدرة ضرورية حتى تضمن المنظمة التنافس والسبق والتميز.
 
- تحمل المخاطر:
      عندما نتحدث عن التغيير فإننا نتحدث عن المستقبل، وعندما نتحدث عن قيادة التغيير نتحدث عن أشخاص قادرين على الاستشراف، بالضرورية يتحملون اتخاذ القرارات بجرأة ومسؤولية، على الرغم من نسبة المخاطرة التي ترافق هذه العملية التغيرية، لذلك من غير أن يتحمل صاحب التغيير للمخاطرة المترتبة عليها، فإن عملية التغيير ستأخذ طريقا دون قيادة حقيقية لها، وهنا تتحمل المنظمة تبعات الفشل المحتوم.
      مما سبق فإن قادة التغيير الثقافي يؤكدون على العمل الجماعي، تغلب عليهم فلسفة روح الفريق والجماعة، وتحمل المسؤولية والمخاطرة، والمبادرة وروح المشاركة، إنهم يريدون إعطاء المنظمة بشكل يجعلهم يزيدون من تحسين الأداء، في تلاحم اجتماعي يعبر عن عقلنة خاصة بتلك المنظمة للعمل من طرف قيادتها الإدارية.
.5 الثقافة التنظيمية والسلوك:
      تعتبر الثقافة التنظيمية نسيج ثقافي لبناء من أنماط السلوكات المشتركة(14)، فهي الطريقة المميزة التي تمارس بـها المنظمـة نشاطها، وهـي البعد الإنساني الذي يخلق التوحد في المعنى، ويوحي بالالتزام والإنتاجية، عند القيام بتغيرات إستراتيجية في المنظمة(15)، بهذا المعنى هي نتاج للسلوك الجماعي  لأعضائها، الذين ينظـمون الروابط الاجتماعية فيما بينهم لتصبح تفاعلات، من خلال إنتاج مجموعة من الافتراضات، والقواعد والقيم وتطويرها بطريقة مشتركة، لتصبح مرجع للسلوك النموذجي داخل المنظمة يشترط أن تعبر عن تجربة جماعية، أو في شكل ذاكرة مشتركة، كبرمجة فكرية جماعية للحلول بالنسبة لمشاكل الاندماج الداخلي، ثم يصبح هذا الإرث المشترك الفاعل، في صياغة السلوك الفردي فيما بعد(16).
  لأنها مجموعة من السلوكات التنظيمية الممارسة داخل المنظمة، فالأفراد داخل النسق ينتظمون بطريقة غير مباشرة لروابط، وعلاقات اجتماعية، في شكل تفاعلات تعبر عن قدرة جماعية للمنظمة، التي بنائها الاجتماعي ككيان هو من تقرير أفعال أعضائها، وفقا لقواعد مقبولة اجتماعيا(17)، فالأفـراد يقومون بعملية الاختيار بين أهداف مختلفة، ووسائل تحقيق تلك الأهداف، بعلاقة تفاعلية تأخذ بالحسبان الآخرين.
      فالثقافة التنظيمية تطور واقعا لتوقعات سلوكية محددة، تعزز في علاقات، وتفاعلات اجتماعية محددة عبر تاريخ المنظمة، بحيث أن السلوك المرتبط بكل دور يبقى ثابت، بغض النظر عمن يحتل تلك المكانة(18).
.6السلوك إعادة إنتاج ثقافي :
      يعتبر السلوك التنظيمي هو إعادة إنتاج ثقافي، فليس مرجعيته في هذه الدراسة الاستعدادات النفسية، بل الأطر الثقافية للبناء الاجتماعي القائم، هذه الأطر تشكل مرجعيات يستمد منها هؤلاء الأفراد الحلول، والـطرق، والمنـاهج التي تسمح لهم بدمج استراتيـجياتهم، وتوجهـاتهم المتعددة، وحتى المتقاربة، من أجل المحافظة على العلاقة الجماعية، أو العـمل الجماعي المشترك، يعني هذا انصياع الفرد بالثقافة التنظيمية أي يطبع اجتماعيا بما فيه الكفاية، وذلك ما يسمح بالتمييز بين الأفراد المنتمين إلى منظمات مختلفة(19)، فالعوامل الثقافية ذات فاعلية تسيطر على طبيعة السلوك، والعلاقات الاجتماعية، هذا الوعاء الثقافي الذي يتشرب منه أفراد مجموعة بصورة واعية، أو غير واعية، يـؤدي في نهاية المطاف إلى تشكل كيان، وهوية تتجاوز الكيانات، والهويات الفردية المشكلة له دون إلغاءها كليا.
      إن الثقافة التنظيمية بهذا موجه لسلوك الأفراد المنتمين إليها، على الأقل بالقدر الذي يحقق به استمرار هذه المجموعة، بتحديد السلوك الملائم، وغير ملائم لدعم استقرار، وتوازن النسق الاجتماعي للمنظمة(20)، ككيان اجتماعي مستقل عن وعي، ووجود أفراده، لأن إهمال النسق الثقافي كإطـار مرجعي للسلوكات الأفراد، معناه لم يعد الكيان الاجتماعي كذلك، ويعوق حركة تطور المنظمة، ويؤثر على كفاءتها، وعلى تحقيق أهدافها، فالمنظمات العملاقة لم تولد في لحظة، وإنما هي نتيجة خبرات وأزمات ونجاح وفشل، منذ فترة زمنية بعيدة، حتى استقرت على ما هي عليه الآن في ثقافتها التنظيمية الكفاحية(21).
      لأن الثقافة التنظيمية تدعم الانسجام والاندماج بما يـضمن استمرارية الجماعة، وقدرتها وكفاءتها على حـل مشاكلها بنفسه،ا لتحقيق هدف مشترك، بما تضعه من طرق، وأساليب لمواجهة العوائق التي تواجهها، إن هذه الكفاءة تختلف من منظمة إلى أخرى، في قدرتها على إنتاج ثقافة تحقق لها ذلك، لأنها تعبر عن الفعل الاجتماعي المنظم والهادف.
      نلخص فنقول إن الثقافة التنظيمية تكمن في قدرة المنظمة على إنتاج مجموعة بشرية، بما تحمله من علاقات تبعية وقيادة، وعلاقات غير متـساوية، تكون مقبولة من طرف جميع أعضاءها، بحيث يستطيع تحقيق الهدف المشترك من جهة، وإعادة إنتاج المجموعة من جهة أخرى، فالجماعة بهذا المعنى تسمـح للفريق، أو المجموعة بأن تتـشكل، وتتـكون بصفتها كذلك، وذلك بواسطة إنتاج أدوات، وطرق الدمج، والانتماء لهذه المجموعة أولا، وإنتاج الحلول التي تمكنهم من تعبئة قدراتهم، ومعارفهم، وتوحيد معالمهم المتضاربة منها، من أجل استمرار هذه المجموعة، وبقائها من جهة ثانية(22).
.7 ماهية النسق الثقافي للمنظمة :
      يشمل التصور الذي اختـارته القيـادة الإدارية للمنظمة كنسـق اجتماعي، من تمثلات وقيم، وأفكار ومعايير في تفاعلها مع مرؤوسيها، كتشكيل اجتماعي يعبر عن القدرة على الخلق والإبداع، وعن طريقة تعبر على فهم قيادة المنظـمة لحل مشاكل الاندماج الداخلي لتكوين اجتماعي كفعل اجتماعي، هذا التكوين التفاعلي يمنح للـنسق الاجتماعي على أنه مجموعة من الأفراد، أو تشكل بنائي للأفـراد المتواجدين في كيانـات وأشكال نوعية، وخـاصة، تفوق وجودهم الفردي، ويمنح للفرد على أنه كائن اجتماعي له القدرة على الفعل بذاته، ويمنح النسق الثقافي للمنظمة على أنه مجمل الاستجابات، وردود الأفعال المـعززة، والتي تم تطويرها من طرف القيادة الإدارية بصفة تفاعلية مشتركة، تميز كل منظمة عن غيرها، فالنسق الثقافي هو وليد الاختيارات الواعية، نابعة من تصور جماعي مشترك لكيفية معالجة، ومجابهة المشكلات والعوائق المطروحة أمام الفاعلين المعنيين بهذا الفعل الجماعي، بتعزيز ودفع من طرف القيادة الإدارية للمنظمة.
      حيث أن هذا النسق تحكمه العلاقة الاجتماعية الأولية، الناتجة عن الفرد بصفته كائن اجتماعي طبيعي، وعضو في بنية اجتماعية، تعبر على الفعل الاجتماعي الهادف، عن طريق تشكل اجتماعي وليد اختيارات واعية، لدمج مختلف الاستراتيجيات الفردية، أو الثقافات الفرعية للتعايش على إنتاج هوية.
      إن هذا النسق الثقافي هو نموذج تراكمي لأنماط السلوكات الواعية للكيان الاجتماعي، وليدة قدرته على التكيف والاندماج والخـلق والإبداع، أو مـا يسمى ( بالتاريخانية )(23)، التي تعني قـدرة مجموعة ما على التأثير، والفعـل على نفسها بنفسها، أو قدرة منظمة على تحقيق تصورها، لتتجاوز البناء الاجتماعي الأولي، إلى تشكيل بنائي آخر له عوائقه الخاصة التي يريد أن يجابهها، وضوابط الداخلية لروابطها وعلاقاتها الاجتماعية.
      هذا يحصل في نسقـها الثقـافي الذي يحوي تلك الذهنيات في مرجع، وإطار مشترك للفعل، والتصرف، أو تمثلات وتصورات ثقافية، يعمل على إنجازها في عقلنة يريدها، هذه العقلنة تعني البحث عن الكيفية التي يفهم بها هؤلاء المشاكل، والعوائق التي تجابههم، والحلول التي يتصورنها والوسائل التي يستعملونها، أي تعزيز وتطوير أنماط السلوك الواعي – الفعل الاجتماعي – من طرف القيادة الإدارية داخل المنظمة.
.8إدارة الثقافة التنظيمية:
      بعد التطرق إلى الثقافة التنظيمية في منحاها كنسق فرعي داخل المنظمة، وإلى السلوك الاجتماعي كمنحى ظاهري لتلك الثقافة السائدة، ودورها في توازن النسق الاجتماعي استقراره، وتلك السلوكات التي تنتج على محك التفاعل الاجتماعي، لتعبير عن كيان اجتماعي مستقل بذاته  و منتجة لثقافته.
      فإن هذا يوجب على المنظمة مشكلة اجتماعية أخرى هي أن تساير الثقافة التنظيمية الأوضاع الجـديدة للمنظمة لصنع ريادتها وتميزها، أي يغير أعـضاءها في إطار علاقاتهم أنماط التصـرف، والفعل لمواجهة المشاكل الجدـيدة التـي تواجه المنظمة، وتـهدد كيـانهم الاجتماعي، ليصبح التغـير ظاهرة حياتية لإبداع، والتجديد والابتـكار، المـنافي للجمود والركود، لتطوير النسق الثقافي الذي يحمل خبراتها كتجربة ريادية تصنع نجاحات المنظمة، هذا ما يؤكد أن المنظمة كيان اجتماعي للفعل في قدرة جماعية للعمل.
      تعنـي القدرة على تغييرها للتناسب مع المعطيات، والمستجدات، التي يقتضيهـا تغييـر الظـروف الاقتصادية، والاجتماعية و التكنولوجية(24)، فإدارة الثقافة هي تطوير وتدعيم، وتعزيز الثقافة التنظيمية كي تصبح ثقافة ملائمة وفاعلة، تساعد المنظمة على تحقيق أهدافها، فتدعيم الثقافة يتطلب تحليل، أو تشخيصا يتم تطبيقه باستخدام وسائل التدعيم اللازمة، أو باستخدام وسائل التغيير(25)، لأن عملية تغيير وتطوير الثقافة التنظيمية هي السمة المميزة لتطوير المنظمة(26)، في كيفية عمل الأشياء داخل المنظمة، عن طريق الوسائل المتعددة مثل الاتصالات، اتخاذ القرار أو حل النزاعات، تحديد المكافآت، المناخ التنظيمي.
      حيث أن عملية تطوير المنظمة عبارة عن جهد طويل المدى، يـدار من قـبل الإدارة العليا، للتطوير المستمر لإدارة الثقافة التنظيمية، برؤية مستقبلية، في عمليات حل المشاكل من خلال العمليات الجماعية توضيح ما هي المسارات التي سوف تتخذها المنظمة في التنفيذ.
      لكن إذا كانت إدارة الثقافة التنظيمية هي تغيير، وتطوير النسق الثقافي للمنظمة لتحقيق فاعلية المنظمة، بما يكسبها خاصية التنظيمات المستقرة، والقوية، بفـضل ذلك تصبح قادرة على توفير مـزايا عمل مادية، ومعنوية للعاملين، تجعلهم أكثر ولاء وانتماء لها(27)، هذا ما ويوحي بتناغم وتوافق الثقافة مع البيئة الداخلية، والخارجية للمنظمة في نجاحها، وحلها لمشاكل  الاندماج الداخلي، والتكيف الخارجي.
      تعود أهمية إدارتها لفاعليتها الشديدة في قيم الأفراد، ومعتقداتهم الثابتة، تتمثل هذه الأهمية في القيم والمعتقدات الراسخة، التي أثبتت فاعليتها في الماضي، باعتناق الأفراد لها وتقبلهما، تمكن المنظمة من خلق بيئة تساعد على تطوير الأداء، وتوفير إدارة التغيير، ومن التغلب على المعوقات التي تعوق تحقيق استراتيجياتها، والتي تسبب مقاومة التغيير الثقافي.
      فعملية التوافق الثقافي تعتبر في غاية الأهمية، لأنه إذا لم تتوافق الابتكارات مع الثقـافة القائمة فإنها عديمة الجدوى، إلا إذا تغيرت وتطورت الثقافة لتتوافق معـها، من خلال إدارتها لتحقيق تجربة في شكل ذاكرة جمـاعية للتصرف.
.9 دواعي إدارة الثقافة التنظيمية:
      عندما يفكر في إجراء تغيير وتطوير للنسق الثقافي للمنظمة، يتعين التفكير في مجموعة من العوامل، التي تدفع إلى ذلك وتقلل من صعوباته، وهي:
- وجود أزمات، والقـدرة على بيان حدوثها، يعـتبر طريقة مساعدة على تسويق التغيير المطلوب لاعتبارها أحد الطرق للخروج من الأزمة أو تجنب وقوعها(28)، لأن تلك الأزمات من شأنها تمارس ضغط، أو تـهدد استقرار، وتوازن المنظمة(29)، هذا ما قد يدفع المستهدفون بالتغيير المطلوب إلى التجاوب لتحقيقه، المؤدي إلى تطوير النسق الثقافي.
- تغيير القيادة الإدارية، لأنها فرصة مناسبة لتغيير القيم السائدة، وفرض قيم جديدة، ولكن يستلزم بدوره وجود رؤية بديـلة عند القيادة الجديدة، تعزز الاعتقاد عند العاملين بقدرتها على قيادة التغيير، لجعل أعضاء التنظيم أكثر تجاوب معه لإحداث التطوير التنظيمي(30).
- تكون عملية تغيير السلوكات التنظيمية، وتطوير أنماط أخرى مرغوب فـيها، أسهل في المراحل الأولى من عمر المنظمة، حيث لا يكون وقت طويل على ترسخها، وكذلك في مرحلة الضعف التي تلي النضوج(31)، حيث تتوطد رؤية مشتركة بخصوص اتجاه التغيير، من قبل جميع أعضاء المنظمة(32)، يضاف إلى هذا إذا كانت المنظمة تمر بمرحلة حرجة في سمعتها.
- يكون التغيير والتطوير التنظيمي في المنظمات الصغيرة الحجم، أسهل منـه في المنظمات الكبيرة، لسهـولة الاتصـال، وتوضيح الأسباب التي تستدعي التغيير وطرق تحقيقه.
- كما تلعب درجة تماسك الثقافة السائدة، وقوتها دورا كبيرا في القدرة على تغييرها، فكلما كانت الثقافة قوية، وكان هناك إجماعا حولها، كلما تطلب تغييرها وقت أطول، والعملية أصعب والعكس صحيح، كما أنه تتعد الثقافات الفرعية يتعدد الأقسام والوحدات الإدارية فيها، يجعل أمر تغييرها أكثر صعوبة أيضا، مما لو كانت ثقافة واحدة، على مستوى التنظيم(33).
      إن هذه العـوامل توحي أن عـملية تطوير، وإدارة الـثقافة التنظيـمية هي عملية  مستمرة، ومتتابعة إبتداءا من تشكل المنظمة في دورة حياتـها، إلى الصعوبات والأزمات التي تواجهها، إلى نـمط القيادة الإدارية الموجودة وحـجم المنظمة، ودرجة تماسك الثقـافة التنظيمية، ووجود ثقافات فرعية بداخلها، كل هذه يجب مراعاتها داخل أي عملية تطوير ثقافي للنسق.
.10 عملية التغيير محدد ثقافيا:
      إن تحقيق أهداف التغيير التنظيمي المحدد ثقافيا، يصعب تحقيقها إن لم يأخذ بعين الاعتبار في العمليات والإجراءات والأنظمة، بالثقافة التنظيمية، ذلك أن تحديد المكونات الأساسية للثقافة التنظـيمية، يساعد على تحديد العناصر التي عن طريقها يتـم تنفيذ، واستمرارية التغيير(34)، فالحافز الأول لتطوير النسق الثقافي للمنظمة أثناء التغيير، تنفيذ واستمرارية التغيير(35).
      فالقضايا المتعلقة بالتغيير تتم مناقشتها بتحديد ثقافي، مثل إمكانية اعتقاد أفراد المنظمة  بالتغيير، إذا كان ممكنا ما هي فترة تنفيذه، ودرجة مقاومة التغيير في كل ثقافة، أثر الثقافة على أسلوب تنفيذ التغيير، يمكن الإجابة عن هذه المشكلات بالاستعانة بالثقافة المتوجهة بالوقت(36)، أي معرفة الثقافة  السائدة، وخصائصها ودرجة قبولـها، ومقوماتها، وقبولها للتغيير المستهدف للتطوير التنظيمي، هذا ما قد يعد من أحد الأسباب الرئيسية التي أغفلتها المنظمات في الجزائر.
      إن تحقيق التميز في الثقافة التنظيمية عن طريق مكـوناتها، وخصائصها، لتـأطير السلوك التنظيمي داخل المنظمة، يمكن للقيادة الإدارية في المنظمة من تحديد الخصائص، والمكونات الثقافية المطلوب استخدامها، أو التأثير عليها لإحداث التغيير المطلوب.
      لأن أي تغـيير ثقافي يـجب على القيادة الإدارية، أن تعمل على جعل مـرؤوسيها يفهمون ويدركون أهميته، من خـلال الإعلان عن رسالة المنظمة، ومعـتقداتها وإستراتيجيتها(37)، بالتركيز على إحدى جوانب الثقافة التنظيمية، كبناء ثقافة المناخ التنظيمي وبناء ثقافة للتحفيز، جيدة، تدفع وتعزز إتباع السلوكات الواعية بهدف المنظمة، في ثقافة اتصالية تعد مفتاح لفهم، ومناقشة الأهداف بطريقة جماعية.
      بهذا فإن عملية التغيير الثقافي المنظمة تحتاج إلى استخدام فريق عمل، لإنجاز الأهداف التنظيمية وتحقيق إنجاز الأداء، والعمل المطلوب بكفاءة، يتجسد في صفات لبناء تنظيمي اجتماعي يعبر بكفاءة، وفاعلية عن قدرة جماعية للفعل الاجتماعي، في إحداث التغيير الثقافي المرغوب بنسق تفاعلي، كمحك لإنتاج ضوابط، وقواعد تنظيم الروابط والعلاقات الاجتماعية.
.11 مفهوم التغيير الثقافي:
      التغيير الثقافي هو عملية داخلية، تهدف من خلالها المنظمة التكيف مع عمليات التغيير الداخلية، من أجل الاندماج، والخارجية من أجل التكيف، فنقطة البداية في التغيير هو تحديد جوانب السلوك، ودفعها وتعزيزها داخل أرجاء المنظمة، بناءا على تشخيص دقيق للوضع الحالي للإطار الثقافي(38)، فهو تغيير موجه ومقصود، وهادف واوع، يسعى لتحقيق التكيف البيئي بما يضمن الانتقال إلى حالة تنظيمية أكثر قدرة على حل المشكلات(39).
      إن تحـليل سلوكات الأعضاء والطرق البشرية، يـساعد تغيير وتحديد النـسق الثقافي السائد وإحـلال نسق ثقافي يتـلاءم مع التحولات المستمرة، يركز على التمييز، والانجاز والنتائج، والتجانس والجماعية، والتفتح على الخارج والداخل، والتركيز على الأهداف القصيرة والطويلة، والمشاركة والابتكار والاهتمام بالعاملين كآدميين، وتنمية معارفهم ومهاراتهم، وترسيخ صفات شخصية مدعمة للتغيير، هذه السمات الأساسية التي تتشكل منها الثقافة، تعبر عن التغيير الثقافي المرغوب، الذي يضفي روح التجديد والمبادرة على الثقافة التنظيمية، يكسبها نضجا بأمس الحاجـة إليـه لكي تكون قادرة على البقاء، والنمو والتميز(40).
      فإحداث التغيير الثقافي في السلوكات لا يمكن إحداثه، إلا بتمهيد أذهان العاملين، وتـهيئتهم نفسيا قصد إقناعهم، برفض السلوك الحالي، واعتباره سلوك غير مرغوب، أو يؤثر على توازن النسق الاجتماعي وأنه في التغيير تتعاظم مصالحهم الذاتية، وسيكونون في وضع أفضل بنتيجة أفضل هذا التغيير(41).
      إن التغيير الثقافي هو إحداث تعديل للسلوكيات، وتعديل الذهنـيات لأعضاء التنظيم، في كافة المسـتويات التنظيمـية، في بيـئة شفافة مدعـمة لآليات التنافس، مع خلق ذهنـيات جديـدة لإدارة المنظمة، تـؤمن بضرورة التـغيير، وبالمبادئ التي يريدون ترسيخها داخل المنظمة، ذهنيات وعقليات بشرية تملك التخيل، والتفكير الإستـراتيجي والابتـكار، والمبادرة والمخاطرة، متحررة الفكر، الحاجة العالية للإنجاز، إذ لابد أن تنعكس هذه الصفات على توازن واستقرار النسق الاجتماعي، ويكون نتيجة ذلك تطوير ثقافي لنسق الثقافة التنظيمية.
.12مراحل التغيير الثقافي:
      بعد الإشارة إلى مفهوم التغيير الثقافي، فإن تنفيذه يتطلب مجموعة من الخطوات العملية لإحداث التغيير على مستوى النسق الثقافي للمنظمة أهمها(42):
- لتحـقيق قدرة جماعية للكيان الاجتماعي، فإن ذلك يوجب تعبير في السلوكات، والاتجاهات والقيـم، وافتـراضات العاملين اتجـاه العمل، الوقـت، النظام، السلطة، المؤسسة والقادة، أنفسهم والآخرين، وكـذا الإقلاع عن الخلط بين العلاقات الإنسانية والشخصية، وأهداف ومصالح المنظمة، مع التأكيد على أهمية التقويم المستمر في سبيل البقاء، والنمو في بيئة شديدة التغيير.
- ضرورة فهم الإدارة للقيم الثقافية، والسلوكات السائدة، ودراستها بهدف التعرف على الجوانب الإيجابية، والسلبية من أجل التعزيز الإيجابي، ومعالجة السلبي والتخلص منه.
- ضرورة الاهتمام بإسهامات القيادة الإدارية بأنماط السلوك الإيجابي المرغوب، باعتبارهم القدوة والمثل في المنظمة في تعزيز السلوكيات الإيجابية، وأن يهتموا بالعاملين باعتبارهم موردا رئيسيامن خلال احترامهم وتقديرهم و تحفيزهم.
- العمل على التخلص من الاعتقادات والممارسات الخاطئة، وتطويرها السلوكيات وفقا للمتطلبات المرغوب تحقيقها.
- الاستفادة من خبرات الباحثين، والخبراء من خلال إقامة ندوات، وملتقيات بقصد التعرف على تجارب، وخبرات المنظمات الرائدة.
- إرساء نظام اتصال فعال من شأنه أن يسهل عملية انتقال، وحركة الأفكار، والممارسات من وإلى الإدارة، بشكل ينمي ويطور الثقافة التنظيمية.
- وضع نظام استحقاق، يـمكن العاملين من تلبية حاجاتهم، ويعزز الرغبة في الإنجاز والتميز.
- إرساء نظم اختيار، تعيين، تدريب، ترقية، تقييم أداء، منظومة الحوافز، والتي تعتبر من أهم المقومات لتحقيق الانضباط والالتزام، والمسؤولية، وتنمية الشعور بالانتماء والولاء، وروح الفريق، إضافة إلى تشجيع ثقافة الإبداع والابتكار، وإبداء الرأي والرقابة الذاتية.
- الأقلمة والمواءمة الاجتماعية مع مختلف الأوضاع الجديدة للمنظمة.
- نقل الأعضاء الذين يقاومون التغيير، الذين تتسم اتجاهاتهم بالسلبية، أو إحلالهم بالأفراد  الراغبين، والمستعدين للتغيير.
- وضع آليات تحول دون سيطرة غير الأكفاء على الأكفاء منهم.
- اتخاذ الإجراءات التي من شأنها أن تكفل تبني السلوك التنظيمي الجديد.
.13
أسباب مقاومة التغيير:
      إن عملية التغيير ليست سهلة، لأنها غالبا ما تواجه مقاومة من طرف بعض الأفراد  والجماعات، أو على مستوى المنظمة ككل، والتي قد يكون مردها إلى الأسباب التالية(43):
- اعتقاد بعض الأفراد بأن التغيير ليس بحالة طبيعية، وأن الأمور تسير على غير المعتاد، إضافة إلى اطمئنانهم بطريقة التسيير الحالية، يخلق لديهم حالة من القلق، والاضطراب والرفض للتغيير.
- خوف الأفراد من عدم نجاح التغيير، وعدم توفر الأدلة الكافية على إيجابيته، وكذا المعلومات الكافية عن كـيفية إقامته، وإلى ضعف ثقة الأفراد بأنفسهم، وبقيادة التغيير، وأنه يعود بالفائدة على فئة معينة فقط، مما يخلق مقاومة له.
- اعتقاد الأفراد بأنه لا طائل من التغيير، إضافة إلى استفادة البعض الآخر في الوضع الحالي للمنظمة، يجعلهم يقاومون التغيير، ذلك أنه يفقدهم بعض الامتيازات.
- تمرد العاملين من خلال شعورهم أن هذا التغيير مفروض عليهم.
- عدم وجود ثقافة تنظيمية قوية تمكن الأفراد من التكيف مع التغيير، أي بتعارض قيم الأفراد مما يجعل من ذلك عائقا أساسيا للتغيير.
- العلاقات الاجتماعية المكونة داخل مجموعات العمل، يمكن أن تكون محددات هامة  للسلوك، ولنفس الأسباب ستقاوم المجموعات التغير إذا كان مهددا لمعايير سلوك  المجموعات، فمعايير المجموعة يمكن أن يكون لها تأثير كبير على سلوك الموظف، وكل تغيير يخالف معايير الجماعة سوف يقابل بالمقاومة(44). 
.14 دواعي التطوير الثقافي:
      تعتبر الثقافة التنظيمية على أنها الوعي المشترك بين أعضاء التنظيم " فهم موحد "، يميز المنظمة عن غيرها، في طرق التفكير والفعل في حل مشكلاتها، والتي تكون في قوالب السلوك التنظيمي  لأفرادها، كسلوك اجتماعي نحو مواجهة تلك المشكلات، بهذا فإن من بين الأسباب والدواعي للاهتمام بتطوير الثقافة التنظيمية ما يلي:
- القصور النسبي في السلوك التنظيمي لحالات النجاح والفشل للمنظمة، والاختلاف في تغيير حجم أثر الثقافة في ذلك.
- زيادة المنافسة بين المنظمات.
- توسع نطاق الإشراف والتنظيمات الأفقية، وتشكيل فرق العمل.
- طبيعة ودرجة التعقيد لهذه المنظمات، وأهمية عملية الاتصال بداخلها.
- إعادة الحيوية، وتحفيز الأعضاء لتحقيق الإنجازات العالية(45).
- ضرورة تحديد هوية أعضاء النسق الاجتماعي.
- وجوب تعزيز الثبات، والتماسك واستقرار النسق الاجتماعي.
- إيجاد رقابة بديلة عن الرسمية، وتوجيه للمواقف والسلوك.
      يضاف إلى هذا إلى بعض السلبيات الموجودة في النسق الثقافي في المنظمة، التي تعترض عملية تطوير المنظمة وهي:
- قد يقف النسق الثقافي أمام التغير الثقافي، خاصة إذا كان في بيئة كبيرة واسعة، ولم يبلغ بعد النضج للمنظمة، التي توحي بثقافات فرعية متعددة، كما في حالة وجود ثقافة قوية صلبة غير مرنة يصعب اعتماد التغيير، واختراقها.
 - أحيانا يقف النسق الثقافي أمام التنوع، كونه يشكل ضغط على العاملين الجدد، لكي يتوافقوا مع الثقافة التنظيمية الموجودة، وإلا فإنها ستبعدهم، وهذا يحرم التنظيم من مزايا التنوع في الابتكارات والإبداع، يمكن أن يكون عائقا أمام الاندماج، حيث أن لثقافة التنظيمية دور رئيسي في إنجاحذلك، أو فشله، بسبب تناقض أو توافق الثقافات داخل المنظمة(46).
.15 معايير تطوير النسق الثقافي :
      يمكن من خلال هذا العنصر، التطرق إلى بعض المعايير التي يمكن تعزيزها لتطوير النسق الثقافي:
  • تعزيز ثقافة تنظيمـية تعتمد على عدد كبير من الأفـراد (التفاعل) بقوة، وجدانية كبيرة، ويكون لها تأثير في السلوك، بحـيث ردود أفعال التنـظيم متشابهة إلى حد كبير، وذلك للتوافق الثقافي بين أعضائها.
  • دفع ثقافة تنظيمية تزيد من ثبات السلوك، والقدرة على التنبؤ والانضباط.
  • دفع وبناء ثقافة تنظيمية التي تلهم العاملين روح الإنجاز العالي، والمزيد من الولاء والانتماء.
  • التركيز على النمو الوظيفي، والمهني للعاملين، وذلك من خلال نظام الحوافز الجيد ليكون مقابله عمل الجيد.
  • بناء ثقافة تنظيمية تحتوي نظام مناسب، وعادل لانضمام الأفراد المؤهلين الأكثر ذكاء للمنظمة.
  • خلق قيم ايجابية لإحداث بيئة، ومناخ عمل مناسب للعمل.
  • تطوير ثقافة تنظيمية مناسبة، وملائمة للموقف الذي وضعت من أجله.
  • تغير ثقافة تنظيمية تحفز أعضاءها على الإيداع، والتجديد والعمل، فمن إطارها يكسب الأفراد الحرية الكافية، والمرونة لإنجاز العمل.
  • تطوير ثقافة تنظيمية تشجع أعضائها على الإيمان بالإنتاج الجيد، والخدمة الجيدة(47).
  • تعزيز وتطوير كل أشكال السلوك التعاوني بين أعضاء المنظمة.
  • بناء ثقافة مشتركة تعتبر مرجع لتأطير السلوك.
  • خلق ثقافة تنظيمية تحرص على الإيمان بأهمية التفاصيل التنفيذية لعمل الأشياء بصورة جيدة كالدقة والسرعة(48).
  • الاهتمام بالعاملين كشركاء في العملية التنظيمية، والإيمان بقدرتهم على تحقيق الإنجازات المختلفة.
  • تبني سياسة التغير المطلوبة، والمرغوب إحداثه، لكي يوفر للثقافة الشخصية كل ما هو خلاق وجيد وإيجابي.
  • تعزيز وشرح وبناء الالتزام التنظيمي لسياسة المنظمة، ورسالتها لتكون هناك ملاءمة بين كل أعضاءها في تحقيقها.
  • خلق قدرات بشرية تدافع على حدود المنظمة وتميزها، وتبني في نفس الوقت جسور التواصل، والتفاعل مع الثقافات الأخرى.
  • تعزيز ثقافة تنظيمية تملك القدرة على استيعاب كل ما هو جديد، وإيجابي لهذه الثقافة والابتعاد عن الجمود، والقدرة الكبيرة لها على التجديد، وإعادة الحيوية.
  • بناء ثقافة تنظيمية تركز على المشاركة الجماعية في صنع نجاحات المنظمة.
      لكن ما تجدر الإشارة إليه أن هذا النموذج ليس مثالي لتطوير النسق الثقافي، بل هي مرتكزات أساسية لتطوير نسق ثقافي يساهم في استقرار، و توازن النسق الاجتماعي، وينظم الروابط والعلاقات الاجتماعية، لخلق قدرة جماعية للفعل، وتحقيق الهدف.
      الخاتمة
      من خلال ما سبق تعتبر الثقافة التنظيمية تشييد جماعي، تملك القيادة الإدارية فيه وسائل وآليات عدة لتكوينها، كونها تشكل موقع اهتمام الموظفين ومصدر لتمثلاتهم، و ذلك انطلاقا لسلوكاتهم وتصرفاتهم التي يستخلصها العاملون في شكل قواعد ونماذج للسلوك التنظيمي، تعمل القيادة الإدارية من خلاله على إدماج الموظفين في إطار المشروع التنظيمي للثقافة التنظيمية وتطوير القدرة الذاتية للعمل، كأن يصبح العمال يعملون كقدرة جماعية من أنفسهم متعاونين على إحساس بمشروع المنظمة، تترجم تلك القدرة في السلوك الاجتماعي لهم داخل المنظمة.
      فالتغيير الثقافي حتمية مفروضة على القيادة الإدارية لتحقيق تكيف المنظمة مع الأوضاع الجديدة، ذلك أن التغيير المادي لوحده بالرغم من أهميته لم يعد يحقق النتائج المرجوة من التغيير، فمن الضروري على قيادة المنظمة لمواكبة التغييرات الجديدة للمنظمة، إحداث تعزيز وتطوير لسلوكات مرؤوسيهم، حتى تتواءم هذه السلوكات مع النشاطات الجديدة للمنظمة، وهو ما يعني تغيير ثقافة المنظمة لتحقيق نجاح عملية التغيير نحو تطوير ثقافي للنسق الثقافي.
      لأن نجاح المنظمة يعتمد على المورد البشري المؤهل والمندمج، يظهر في مواقفهم واتجاهاتهم نحو التغيير، والتي بدورها مرتبطة بالثقافة التنظيمية التي يحملونها، ومدى وعيهم بأهمية التغيير، وعليه فإن التغيير الثقافي إلى التطوير التنظيمي، مرتبط بالدرجة الأولى بالسلوك التنظيمي للمورد البشري.
      حيث أن هذا السلوك هو السلوك الاجتماعي الذي يتشكل من علاقة القيادة الإدارية بمرؤوسيهم نتيجة علاقة اجتماعية لبناء مشترك للسلوك الواعي، يحكم ذلك التفاعل المعاني الثقافية، لإعادة إنتاج المنظمة ككيان اجتماعي من تقرير أفعال أعضائها، ووفقا لقواعد مقبولة اجتماعيا، فالثقافة التنظيمية جانب يرتبط بالأفراد وسلوكياتهم، وبـقدرتهم على الفعل كقدرة جماعية، بجو العمل الذي يعملون فيه، بنمط اتصالاتهم، بنمط تحفيزهم، ومن هنا الاهتمام بالجانب الثقافي للفرد داخل المنظمة الصناعية، يعني الاهتمام بكل ما هو إنساني للمورد البشري.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق